هذا الموضوع تحت عنوان امتحان عسير يواجه بنموسى..هل تفلح مدارس الريادة في تقويم “اعوجاج” التعلمات؟:
لم يترك وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، أي فرصة تمر دون الحديث عن مشروعه الجديد الذي بشر من خلاله المغاربة على إحداث تحول شامل في أداء المؤسسات التعليمية بالمغرب من خلال اعتماد مدارس الريادة التي ستعمل على الرفع من جودة التعلمات الأساس والتحكم بها، وتنمية كفايات التلميذات والتلاميذ والحد من الهدر المدرسي، وتعزيز تفتح المتعلمات والمتعلمين.
وشرعت الوزارة في تفعيل العمل بمشروع “مؤسسات الريادة” بسلك التعليم الابتدائي العمومي خلال الدخول المدرسي الجاري 2024/2023، في 626 مؤسسة تعليمية ابتدائية عمومية في الوسط الحضري وشبه الحضري والقروي، حيث استفاد منه 322 ألف تلميذة وتلميذ بتعبئة ومشاركة طوعية لما مجموعه 10.700 أستاذة وأستاذ عاملين بهذه المؤسسات التعليمية وبتأطير ومواكبة من 157 مفتشة ومفتشا تربويا.
وقررت الوزارة التوسيع التدريجي لمشروعها ، إذ سينتقل عدد هذه المؤسسات من 626 حاليا إلى 2.626 مؤسسة ابتدائية خلال الموسم الدراسي المقبل 2024/2025، حيث من المرتقب أن يصل عدد التلاميذ المستفيدين برسم السنة المذكورة إلى مليونٍ و300 ألف تلميذ، أي ما يعادل 30% من تلاميذ السلك الابتدائي، وذلك في أفق تعميم هذا المشروع وبلوغ 8.630 مؤسسة ابتدائية في الموسم الدراسي 2027/2028.
كما سيتم، وفق وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، إطلاق مرحلة تجريبية لمؤسسات الريادة بالسلك الثانوي، بـ 232 مؤسسة خلال موسم 2024/2025، على أن تنتقل إلى 730 مؤسسة خلال موسم 2025/2026، في أفق التعميم برسم الموسم الدراسي 2028/2029.
وفي ظل دفاع الوزارة عن مشروعها، يتساءل متتبعون للشأن التعليمي والتربوي بالمغرب حول ما إذا كان بإمكان مشروع بنموسى أن يشكل استثناء ضمن سلسلة مشاريع سابقة كانت تراهن عليها وزارة التربية الوطنية لإخراج التعليم المغربي من المراتب المتأخرة في التصنيفات الوطنية والدولية دون أن يتحقق لها ذلك. وحول ما إذا كان بمقدور مشروع بنموسى أن يقوم اعوجاج تعلمات المتعلمين.
تلاعب بالأرقام والنسب لطمأنة المغاربة
وفي هذا السياق، يقول الخبير التربوي، سعيد أخيطوش، إن الملاحظ، وبشكل لا يقبل الجدال ولا النقاش، أن الوزارة تحاول طمأنة المغاربة بخصوص منظومتهم التربوية بأي شكل من الأشكال. فمن خلال تسخير القنوات السمعية والبصرية وكذا منذ إصدار بلاغ 9 نونبر 2023 بخصوص نتائج عمليات الدعم التربوي باستخدام مقاربة (TARL) نلاحظ بأننا نعيش أكبر محاولة لطمس الواقع المر الذي باتت المنظومة التربوية المغربية تعيشه جراء الاحتجاجات والإضرابات التي طال أمدها منذ بداية الدخول المدرسي الحالي، وخصوصا مع الإفصاح عن وثيقة النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية، الأمر الذي خلف حالة من الفوضى العارمة وهدرا كبيرا لزمن التعلم سيؤدي المتعلم المغربي فاتورته غاليا في مستقبله التعليمي بكل تأكيد.
وقال المفتش التربوي في حوار مع جريدة “العمق” ننشر تفاصيله لاحقا إن هذا البلاغ كما تمت الإشارة لذلك تلاعب بالكلمات واللغة لتوهيم المتلقي من خلال كتابته بلغة محترفة مصحوبة بتلاعب كبير بالأرقام والنسب والمستويات. مضيفا أن هذا البلاغ وبلاغات أخرى انطلق من معطيات أخرى مخالفة لمنطلقات المشروع الأساسية المتمثلة في كون نسبة 23% فقط من متعلمي المستوى الخامس هي القادرة على قراءة نص باللغة العربية من 80 كلمة، ونسبة 30% فقط من متعلمي المستوى الخامس قادرين على قراءة فقرة من 16 كلمة باللغة الفرنسية ثم نسبة 13% من متعلمي نفس المستوى قادرة على إنجاز عملية قسمة بسيطة.
وقال أخيطوش إن كاتب البلاغ فضل اللجوء إلى المستويات الدنيا أساسا من خلال إعلانه عن انتقال نسبة القادرين على قراءة كلمات باللغة الفرنسية من %20 إلى %59 في المستوى الثالث والقادرين على قراءة فقرة، دون تحديد اللغة، في نفس المستوى من %20 إلى %50 ثم انتقال القادرين على إنجاز عملية جمع من قبيل 27+48 من %9 إلى %61 دون تحديد المستوى الدراسي المعني بذلك، ويعزى هذا الهروب إلى المستويات الدنيا في الغالب إلى كون نتائج المستويات العليا تعيش وضعا تربوية كارثيا يفوق ربما النسب المعلن عنها في منطلقات المشروع كما أنها غير معنية بالتقويمات الدولية والوطنية المعروفة والتي يشارك فيها النظام التربوي المغربي.
وأشار أيضا إلى أن انطلاق البلاغ من مقولة شبيهة ببديهيات الحس المشترك الجمعي الذي يتولد لدى أي شخص جراء تغيير طريقة اشتغاله وهي المتمثلة في القول: “أبان الأستاذات والأساتذة بمدارس الريادة عن فعالية الأساليب الجديدة مع تسجيل تحسن كبير في مستوى التلاميذ”. لخير دليل على استهداف طمأنة المجتمع المغربي والإقرار بنجاح السياسة التربوية المتبعة للإصلاح، ناهيك عن تقديم معطى صادم يتمثل في كون %80 من متعلمي المدارس المعنية لا يتحكمون في الكفايات الأساسية المدرسة في السنة السابقة بالطريقة العادية، وهي النسبة التي لم يناقشها متن البلاغ الذي فضل اللجوء للتعلمات الجزئية لسهولة تصحيحها وبالتالي التغاضي عن توظيف التعلمات الذي يشكل كارثة المدرسة المغربية.
وذكر أيضا أن عدد المتعلمين الذين خضعوا للتقويم السابق لبلاغ الوزارة هو 63000 متعلم أي ما تقدر نسبته ب %19.56 فقط من متعلمي المدارس المحتضنة للمشروع، نظرا لانخراط أساتذة المتعلمين والمتعلمات الأخرين في الإضرابات والاحتجاجات التي يشهدها القطاع ورفضهم تمرير الرائز المعني، ليبقى السؤال المطروح هو ما مدى صدق هذه النتائج، رغم التلاعب باللغة وتوهيم المغاربة بنجاح الإصلاح؟ علما أنها اعتمدت فقط على أقل من خمس الفئة المستهدفة بالتقويم؟ وبموثوقية النتائج لهذا الخمس تقدر ب %78 علما أن العلوم الإنسانية تفرض نسبة موثوقية تتجاوز %85 للإقرار بمصداقية النتائج دون الخوض فيما قد يشوب عملية التحليل من انزلاقات.
يمكن ولكن!
من جانبه، قال المفتش التربوي، محمد تكونسى، إن نموذج مؤسسة الريادة كما تم تجريبه وإرساؤه خلال الموسم الدراسي الحالي والمزمع توسيعه خلال الموسم المقبل، يمكن أن يحقق النتائج المرجوة منه، متى تضافرت جهود الجميع من أجل ذلك، إلا أن مفاتيح السياسة التعليمية لا توجد كلها في الأقسام وفي المدارس، وعليه فإن المفاتيح الكبرى للنجاح تبدأ بإدراكنا أنه لا يمكن لبلدنا الخروج من براثن التخلف إلا بخلق ثورة حقيقية في المدرسة المغربية تدعمها وتؤازرها كل البنيات الإدارية والسياسية بما يضمن نجاحها واستمرارها، وأولها هل سيتم العمل على ضمان حق جميع التلاميذ في كل مكان في مغربنا من الاستفادة من الاختيار الطوعي لمدارس الريادة؟”، يضيف المتحدث.
وأوضح تكونسى في تصريح لجريدة “العمق” أن البعد العلاجي الذي تمثله مقاربة “طارل” في إطار استراتيجية الدعم المكثف والموجه لدعم التعثرات العميقة التي يعاني منها المتعلمون في المواد الدراسية الأساس، اللغتين العربية والفرنسية والرياضيات، وهي المقاربة التي تعتمد على الانطلاق في مسار الدعم من آخر مستوى يتحكم فيه المتعلمون وفق مستويات الموضعة المنصوص عليها، وتحديد مسارات للدعم متنوعة الإيقاعات بهدف تمكين المتعلم في نهاية الدورة الوطنية للدعم من القدرة على مواكبة التعلمات الجديدة، في مجال اللغات كما في الرياضيات التي تتأسس على أنشطة بسيطة ونوعية تستهدف إعادة بناء مفاهيم العد والحساب قبل التقنيات الاعتيادية للعمليات الحسابية.
وأشار المتحدث إلى أن هذه المقاربة التي خضعت لعدة تعديلات من طرف الخبراء المغاربة لتناسب أكثر خصائص اللغتين العربية والفرنسية، وطبيعة المدرسين والفضاءات المدرسية المغربية يمكن أن تسهم في وقف “عدم نجاعة” عمليات التدريس، وبالتالي وقف فقر التعلمات لدى أغلبية تلامذتنا، على حد تعبيره.
واستطرد المتحدث قائلا: “من جهة أخرى، وإلى جانب هذه المقاربة العلاجية أرست مؤسسة الريادة التدريس الصريح كأسلوب ونهج جديدين للتدريس، بغرض تحقيق فعالية أكبر لعمليات التدريس، وإن كان التدريس الصريح يركز بالأساس على عمليات التدريس وهيكلة وبنينة تدخلات المدرسين في تنظيم المادة الدراسية، من المنهاج إلى تنظيم السلوك الفردي والجماعي للتلاميذ داخل القسم والمؤسسة، فهو ليس سوى نوع من المدونة أو “التجميع العلمي” للممارسات التدريسية الناجعة، والتي أثبتت الدراسات العلمية فعاليتها.
وقال إن هذا التجميع يتم في إطار ومهيكَل يسمح بإرساء وتوحيد ممارسات تعليمية فعالة في أقسامنا الدراسية بما يحقق أقصى درجات الفعالية، مؤكدا على أن هذه المقاربة هي المعول عليها كثيرا لتغيير صورة تعليمنا، من تعليم تنهكه مشكلاته الخاصة إلى تعليم فعال يمكن أن يشكل مفتاحا هاما من مفاتيح الحرية والتقدم لبنات وأبناء شعبنا، والتنمية لبلدنا ووطننا.
كان هذا موضوع حول “امتحان عسير يواجه بنموسى..هل تفلح مدارس الريادة في تقويم “اعوجاج” التعلمات؟”
عن موقع العمق
التعليقات