يبدو أن قرار المديرية العامة للأمن الوطني بتوجيه مذكرة تحمل توجيهات صارمة لكل موظفي الشرطة بضرورة التحلي بروح المسؤولية والجدية خلال استقبال المواطنين أو تلقي شكاياتهم والعمل على الاستجابة الفورية لكافة حاجياتهم، يتوخى الارتقاء بالمرفق الأمني وتغيير الصورة السلبية التي ترسخت لدى عموم المواطنين بسبب ما واجهوه في بعض الأحيان من سوء المعاملة أو إهمال للشكايات رغم ملحاحيتها.
إذ كثيرا ما كان يُطلب من المبلغين عن حالات اختفاء الأطفال أو الأشخاص البالغين مرور 24 ساعة قبل التبليغ عن الحادث، كما كان يواجه المتصلون برقم النجدة 19، في كثير من الأحيان، إهمالا لشكاياتهم أو أن الرقم خارج الخدمة.
ولعل تشديد مذكرة السيد عبد اللطيف حموشي على ضرورة حسن استقبال المرتفقين للمصالح الأمنية إقرار بوجود مستوى من الإهمال لمصالح المواطنين، الذي ينبغي تداركه والقطع معه عبر إعادة الثقة لهذا المرفق الحيوي.
وجدير بالذكر أن عموم المواطنين باتوا يدركون جدية المصالح الأمنية في التعامل مع ما يتم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات، سواء تعلق الأمر بالسرقة باستعمال السلاح الأبيض أو السطو على المحلات التجارية أو تخريب الممتلكات أو مهاجمة الأشخاص في الطريق العام؛ بل إن كثيرا من مرتادي هذه المواقع يشيدون بتدخلات الشرطة لاعتقال العناصر التي تهدد الأمن العام.
لهذا لا نجد المواطنين يترددون في نشر مقاطع فيديو تظهر هويات المجرمين أو المعتدين على المارة وكلهم يقين أن مصالح الأمن ستقوم بواجبها في اعتقال الجناة أو الجانحين.
إذن، مسألة الحفاظ على الأمن هي وجه العملة الأول، أما وجهها الثاني فيتمثل في احترام المترفقين وحسن استقبالهم وفق ما يقتضيه الواجب الوطني والأخلاقي والديني، ذلك أن تطلعات الموطنين إلى الأمن والأمان لا تنحصر فقد في توفير الأمن وحماية الممتلكات، بل تتجاوزها إلى تحسين شروط استقبال المرتفقين وسرعة الاستجابة لنداءات النجدة وفعالية التدخلات.
وكلما كان التفاعل سريعا وفعالا إلا وساد الشعور بالأمان وانخرط المواطنون في التعاون مع المصالح الأمنية؛ مما يجعلهم شركاء في توفير الأمن وإشاعته.
في هذا الإطار تصب جهود المديرية العامة للأمن الوطني من أجل أنسنة قطاع الأمن على عدة مستويات أهمها:
1 ـ التدريب حول حقوق الإنسان والعمل على إدخالها في مناهج التدريب والتكوين لتكون مرجعا ودليلا مؤطرا لعناصر الشرطة في مختلف مهامهم، لأجل هذا تم التوقيع على اتفاقية الشراكة بين المديرية العامة للأمن الوطني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، يتولى بمقتضاها هذا الأخير تنظيم دورات تكوينية وتدريبية للأطر الأمنية لتعزيز المكتسبات الحقوقية التي حققها المغرب في مجال إعمال حقوق الإنسان وحمايتها.
2 ـ حسن استقبال المرتفقين وتجويد الخدمات المقدمة للمواطنين بمختلف المصالح الأمنية على المستوى الوطني، خصوصا ما يتعلق بنداءات النجدة أو وقائع “تستدعي تدخلا أمنيا فوريا وإجراءات قانونية تواكبه”، كما جاء في المذكرة، تضطر الشاكي إلى التقدم لدائرة الشرطة أو الديمومة، فهو لم يتوجه إلى مفوضية الأمن للتسلية أو تزجية الوقت وإنما طلبا لخدمة أو تدخل مستعجل.
ومن شأن هذه المذكرة أن تعزز الصورة الإيجابية التي تكونت لدى المواطنين عن الأجهزة الأمنية خلال فترة جائحة كوفيد حيث تقدم رجال الشرطة، بمختلف مراتبهم الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء عبر الحرص على تطبيق قانون الطوارئ واحترام الحجر الصحي حماية لأرواح المواطنين وممتلكاتهم.
وقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مؤثرة من التفاعل الراقي لساكنة الأحياء مع الحملات الأمنية للتحسيس، حيث كانت تتعالى زغاريد النساء مشفوعة بالتصفيق تحية للأمنيين وتقديرا لجهودهم وتضحياتهم في الظروف الصحية الدقيقة.
ومذكرة السيد المدير العام للأمن الوطني تحرص على تقوية تلك المصالحة التي تحققت، خلال الجائحة، بين الشرطة والمواطنين حتى تظل في خدمة الشعب مثلما كانت عليه في فترة الحجر الصحي. من هنا جاءت المذكرة بتشديدها على ضرورة حسن استقبال المواطنين والسرعة في التفاعل مع نداءات المشتكين والمستغيثين، استجابة وتطبيقا للتوجيهات الملكية التي نادت بضرورة جعل مؤسسات الدولة في خدمة المواطنين والعمل على تجاوز الصعوبات التي تواجههم في علاقتهم بالإدارة، وهي صعوبات، كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان في أكتوبر2016 “كثيرة ومتعددة، تبتدئ من الاستقبال، مرورا بالتواصل، إلى معالجة الملفات والوثائق، بحيث أصبحت ترتبط في ذهنه بمسار المحارب ..
وما دامت علاقة الإدارة بالمواطن لم تتحسن، فإن تصنيف المغرب في هذا الميدان، سيبقى ضمن دول العالم الثالث ، إن لم أقل الرابع أو الخامس”.
هذا المسار الصعب والشاق هو الذي تهدف مذكرة الإدارة العامة للأمن الوطني إلى تذليله في وجه المرتفقين.
ولا شك أن الجهود المبذولة في المجال الأمني، سواء على المستوى التقني بتعميم التطبيق المعلوماتي لتدبير الاتصالات عبر خط النجدة 19، أو بإدماج التكنولوجيات الرقمية الحديثة ضمن منظومة عمل قاعات القيادة والتنسيق، أو بتعزيز الوحدات المتنقلة لشرطة النجدة وباقي الفرق والوحدات الأمنية وتجهيزها بالمعدات والآليات الضرورية؛
كل هذه الجهود مكّنت مصالح الأمن الوطني، خلال سنة 2021، من معالجة مليون و153 ألف و741 قضية زجرية، أسفرت عن ضبط وتقديم أمام مختلف النيابات العامة مليون و425 ألف و102 شخصا. طبعا جهود لا ينكرها المواطنون ولا يترددون في الإشادة بها، خصوصا حين يتعلق الأمر بجرائم اختطاف الأطفال أو تحييد خطر المجرمين أو تفكيك الخلايا الإرهابية، إذ بفضلها يحتل المغرب مراتب محترمة في مؤشر السلام العالمي: المرتبة 6 عربيا و 74 عالميا وفق تقرير معهد السلام والاقتصاد العالمي لسنة 2022. مرتبة أهلت المغرب ليكون الوجهة السياحية الأكثر أمنا التي تنصح بها كثير من الدول مواطنيها.
جريدة أخبارنا
كان هذا المقال عن لا عذر لرجال الأمن بعد مذكرة السيد “حموشي”
التعليقات