التعليم في العالم القروي .. مؤشرات مقلقة وهدر مدرسي يهدد مستقبل الأجيال
أخبارنا المغربية – بدر هيكل
يوصف وضع التعليم في العالم القروي والمناطق النائية بالمقلق رغم المجهودات المبذولة، حيث تستمر المؤشرات السلبية بالظهور بين الفينة والأخرى. فلا تزال معظم مدارس العالم القروي مؤسسات متباعدة وفرعيات متفرقة تفتقر إلى المرافق الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي. كل هذه الظروف تجعل تحقيق الرؤية الاستراتيجية للتعليم بحلول عام 2030 مهمة صعبة للغاية، وما زال الأمر يتطلب جهودًا كبيرة، في الوقت الذي يواجه فيه الدخول المدرسي تحديات كبيرة، خاصة في العالم القروي والمناطق النائية.
هذا الواقع أثار نقاشًا داخل قبة البرلمان حول الدخول المدرسي في العالم القروي، حيث تلقى وزير التعليم، شكيب بنموسى، العديد من الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع. من بين هذه الأسئلة ما ركز على “العقبات التي تواجه الدخول المدرسي في العالم القروي، وغياب الكوادر التعليمية، ونقص الشروط الأساسية للتعليم”. وفي سؤال برلماني آخر، تمت الإشارة إلى أن “الدخول المدرسي يأتي في ظروف استثنائية تتسم بارتفاع كبير في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، إضافة إلى تداعيات الزلزال الذي ضرب عدة مناطق في المملكة، ما قد يدفع بعض الأسر إلى حرمان أبنائهم من الالتحاق بالمدارس نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة”.
أوضاع مقلقة للمدارس القروية
رسم المجلس الأعلى للحسابات صورة قاتمة عن حالة التمدرس في العالم القروي، حيث سجّل استمرار العديد من الإشكاليات، خاصة في ما يتعلق بالجودة وضعف التحصيل، بالإضافة إلى تدني نسبة إتمام المراحل الدراسية. وأكد المجلس في أحد تقاريره أن مستوى التعلم لدى التلاميذ في العالم القروي ما زال ضعيفاً، وهو ما تعكسه نتائجهم الدراسية، إلى جانب استمرار ظاهرة التأخر الدراسي، سواء بسبب التسجيل المتأخر في السلك الابتدائي أو نتيجة التكرار.
وأشار التقرير إلى أن العديد من مدارس العالم القروي غير مربوطة بشبكات المياه والكهرباء، وتفتقر إلى المرافق الصحية الأساسية. كما أن هناك مدارس لا تزال تعتمد على قاعات دراسية من البناء المفكك، وتعاني من نقص في التجهيزات اللازمة للتلاميذ ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى عدم توفر تدفئة مناسبة في الفصول الدراسية خلال فصل الشتاء، ونقص العتاد الديداكتيكي. كما لفت التقرير إلى نقص الخدمات في الداخليات والمطاعم المدرسية، وسوء ظروف النوم والتغذية، فضلاً عن الافتقار للاستدامة في النقل المدرسي، والاكتظاظ وسوء حالة المركبات.
في سياق متصل، أعدّت لجنة موضوعاتية بمجلس المستشارين تقريرًا تحت عنوان “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح”، طالبت فيه بتعميم الداخليات في العالم القروي لضمان استمرار تعليم الفتيات في المناطق النائية. ولفت التقرير إلى أن “العزلة التي تعاني منها بعض القرى المغربية، وضعف مستوى المعيشة لدى بعض الأسر في المناطق القروية، والتشتت السكاني، تجعل تقريب المؤسسات التعليمية من الجميع أمرًا مستحيلًا، لذا فإن الحل الأمثل هو بناء الداخليات في هذه المؤسسات وتأمين النقل المدرسي عندما يكون هذا الحل مناسبًا”.
ويعتبر النقل المدرسي أحد الحلول الممكنة لتعويض الإيواء المدرسي في التعليم الثانوي الإعدادي، وقد شهد هذا القطاع “تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت نسبة المستفيدين منه من حوالي 10% في عام 2015 إلى أكثر من 30% في عام 2021”.
في هذا السياق، أفاد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، أن عدد المستفيدين من خدمة النقل المدرسي خلال الموسم الدراسي 2023/2024 بلغ 580 ألف تلميذة وتلميذ، 83% منهم في الوسط القروي، مما يشكل زيادة بنسبة 31% مقارنة مع موسم 2021/2022.
وأضاف الوزير أن عدد الحافلات المدرسية شهد نموًا ملحوظًا حيث وصل إلى حوالي 8900 حافلة خلال الموسم الدراسي المنصرم، مما يمثل زيادة بنسبة 26% مقارنة مع موسم 2021/2022. وأكد أن الوزارة تطمح إلى زيادة عدد المستفيدين ليصل إلى 700 ألف تلميذ بحلول عام 2026، مع توفير 10 آلاف حافلة للنقل المدرسي.
وكان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قد أكد أن حكومته تسعى جاهدة لزيادة الاستفادة من خدمات التعليم من خلال تأهيل البنية التحتية وتحسين مرافقها، خاصة الداخليات ومراكز الإيواء والمطاعم المدرسية والنقل المدرسي.
وأشار أخنوش إلى أن الحكومة قامت بإنجاز 2894 مشروعًا لبناء وتوسيع وتأهيل البنية التحتية في قطاع التعليم، مع معدل إنجاز يصل إلى 96%. بالإضافة إلى توسيع وصيانة المؤسسات التعليمية في المناطق الجبلية، كما تم اقتناء 962 حافلة للنقل المدرسي، وتجهيز 139 فضاءً تعليميًا. ومع ذلك، وفقًا للتقرير البرلماني المذكور، لم تنجح هذه الجهود في تقليص نسب الهدر المدرسي بشكل يتناسب مع عدد المستفيدين من هذه الخدمات.
الهدر المدرسي يؤرق المسؤولين
يُعد الهدر المدرسي في الوسط القروي، والذي يتمثل في عدم التحاق الأطفال بالمدرسة أو انقطاعهم عنها بسبب عدم القدرة على مواصلة الدراسة، من المشاكل الكبرى التي تؤرق بال المسؤولين.
وقد صرّح الوزير شكيب بنموسى أنه خلال العام الدراسي 2020-2021، بلغ معدل الهدر المدرسي في الوسط القروي للأسلاك التعليمية الثلاثة في القطاع العام 5.9%. وأشار إلى أن أكثر من 167 ألف تلميذ وتلميذة ينقطعون عن الدراسة في العالم القروي، مع تسجيل نسبة انقطاع تصل إلى 5.6% بين الفتيات المتمدرسات، ما يعادل حوالي 76 ألف تلميذة.
وقد أظهرت الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لعام 2023 ارتفاعًا مقلقًا في نسب الانقطاع والتسرب الدراسي في منظومة التربية والتكوين بالمغرب، حيث بلغت هذه النسب 10.3% في التعليم الإعدادي، و7.2% في الثانوي، و0.6% في الابتدائي، أي بزيادة تصل إلى 7% مقارنة بالسنوات السابقة.
ووفقًا للبيانات ذاتها، فإن عدد التلاميذ الذين غادروا فصول الدراسة في عام 2023 بلغ 334,664 تلميذًا، منهم 183,893 في الثانوي الإعدادي، و76,233 في الابتدائي، و74,538 في الثانوي التأهيلي. وتشير المصادر إلى أن حوالي 45% من المنقطعين يأتون من العالم القروي.
ومن جهة أخرى، أشار الوزير إلى أنه يتم اعتماد مقاربة وقائية للتصدي للهدر المدرسي من خلال تعزيز الدعم المدرسي للتلاميذ الذين يواجهون صعوبات في التعلم، وتنظيم حملات توعوية. وكشفت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في بيان حصيلتها للموسم الدراسي 2023/2024، أن توسيع العرض المدرسي، خاصة في الوسط القروي، بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية واعتماد التدبير المفوض، ساهم في تسريع وتيرة تعميم تعليم أولي ذي جودة. كما عملت الوزارة على تعزيز برامج الدعم الاجتماعي لتحقيق تكافؤ الفرص بين التلاميذ والحد من الهدر المدرسي، خاصة في العالم القروي، حيث استفاد من المبادرة الملكية “مليون محفظة” ما مجموعه 4,459,478 تلميذًا خلال هذا الموسم الدراسي، بالإضافة إلى 1,040,615 مستفيدًا من الإطعام المدرسي، و580,266 مستفيدًا من النقل المدرسي، حيث يشكل تلاميذ الوسط القروي نسبة 83.3% من المستفيدين.
في سياق آخر، أكد السيد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، في كلمة ألقاها خلال جلسة حول “السياسات العمومية وتثمين رأس المال البشري في المغرب” أثناء انعقاد الدورة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية، أنه لا يمكن تصور إصلاح النظام التعليمي دون معالجة الإكراهات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأسر. وقال: “إنه لا يمكن إصلاح النظام التعليمي دون استحضار القدرات والبيئة التي تعيش فيها الأسر، خصوصًا في الوسط القروي”، معتبرًا أن نجاح أي إصلاح تعليمي يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع الورش الاجتماعي الذي يقوده الملك محمد السادس.
كان هذا المقال عنالتعليم في العالم القروي .. مؤشرات مقلقة وهدر مدرسي يهدد مستقبل الأجيال
عن موقع اخبارنا المغربية
التعليقات